الاستاذ الدكتور حسن علي سيد الدراجي
الأسرة هي وحدة المجتمع ، وهي الواسطة أو حلقة الوصل بين الفرد والمجتمع ، والواسطة بين الثقافة وشخصية الفرد، والأسرة هي الوسط الإنساني (الأول) الذي ينشأ فيه الطفل ويكتسب في نطاقها أول أساليبه السلوكية التي تمكنه من إشباع حاجاته وتحقيق إمكانياته والتوافق مع المجتمع.
ولسنا في حاجة الى الحديث او الاشارة الى اهمية الاسرة البالغة في تشكيل شخصية الفرد، وقد أضحت هذه الأهمية احد المسلمات الاساسية في ادبيات علم النفس وأطره النظرية، إذ إن الكائن الإنساني يمر بمرحلة الحضارة البيولوجية في رحم الام، وعندما تنتهي هذه المرحلة بالميلاد فأنها تسلمه الى مرحلة الحضارة الاجتماعية؛ لتعمل على تحويل إمكانياته واستعداداته السلوكية إلى سلوك فعلي، لذلك تمثل الأسرة شبكة من العلاقات الانسانية الاجتماعية التي ينشا الطفل فيها ويعتمد عليها اعتماداً كاملاً في سنوات حياته الباكرة.
ولهذا تمثل الاسرة هذه المكانة المتميزة بين مؤسسات التنشئة ووكالاتها باعتبارها نموذج للجماعة الاولية (primary group)؛ لأنها البيئة الأولى التي تقدم الرعاية النفسية, والأخلاقية, والاجتماعية للفرد.
مما ينعكس تأثيرها على الفرد (منفردة) في المراحل الحاسمة والأولية للنمو.
لذا يكون تأثيرها دافعاً وشاملاً يتضمن كل جوانب الشخصية للطفل بعكس الجماعات الثانوية التي يكون تأثيرها منصباً على جوانب معينة من الشخصية، ولا اريد الخوض اكثر في تبيان اثر هذه المنظمة المهمة في حياة الفرد الا وهي (الاسرة).
فقد تعرضت الاسرة في الآونة الاخيرة لبعض التطورات التي انعكست على نوعية العلاقات بين الوالدين وبين الوالدين والاطفال وهذا التطور المتمثل بجائحة كورونا وما سببته من مشكلات صحية واسرية واقتصادية والتي بدورها انعكست اثارها على المجتمع بشكل عام والأسرة بشكل خاص بظهور الكثير من السلوكيات الغير سوية والتي وصلت الى مرحلة متطورة من العنف الأسري* والسلوك اللاجتماعي والغير مسؤول التي اودت بحياة الكثير من الامهات والابناء لبعض الاسر فضلاً عن الاثار النفسية التي خلفتها هذه الجائحة من اضطرابات اجتماعية ,وصحية , و نفسية ويجمع الأخصائيون في الصحة النفسية ان القلق والتوتر والانفعال” من أبرز “التأثيرات النفسية” التي سببها فايروس كورونا وأن الحجر الصحي المفروض على أكثر من مليار شخص حول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا، ليس أمرا سهلا ولا موضوعا يستهان به، إذ أنه إجراء استثنائي وغير مسبوق يقيد الحريات الفردية حتى في الدول الديمقراطية.
- العنف الأسري : هو أي سلوك مراد به إثارة الخوف أو التسبب بالأذى سواء أكان جسدياً أو نفسياً أو توليد الشعور بالإهانة في نفس الشريك أو إيقاعه تحت اثر التهديد أو الضرر بنظامها .
فقد أشارت منظمة الصحة العالمية وبحسب تقرير الأمم المتحدة الأخير إلى نحو ( 243) مليون امرأة تتراوح اعمارهن ما بين ( 15 عاماً – 49 عام ) تعرضن في خلال الاشهر الاثنا عشر الماضية لعنف جسدي او جنسي من قبل شريك او احد افراد العائلة وقد تكون الارقام الحقيقية بحسب المتوقع اعلى بسبب التحديات الكبرى المتعلقة بجمع البيانات في ظل الظروف الحالية والحجر الصحي المعمول به في بلدان كثيرة لان الإبلاغ والحصول على المساعدة صار أكثر صعوبة ،وبالخصوص في البلدان العربية ومنها العراق لارتباط هذه البلدان بمجموعة من النظم والتقاليد الاجتماعية فضلا عن عدم وجود بيانات واضحة وصريحة الان وسابقا.
ومن هنا يمكن الاشارة الى ان هذه الضغوط والمشكلات التي أحدثتها هذه الظروف والتي أدت إلى انهيار النسق الأسري لكثير من الأسر، قد تعود اسبابها إلى نوعية العلاقات بين الزوجين وبين أفراد الأسرة وكذلك اتجاهات أعضاء الأسرة بعضهم نحو البعض الآخر ، والعادات والمعتقدات والتقاليد الاجتماعية الموروثة فضلاً عن اختلاف المستويات الفكرية ,والثقافية ,والعمرية , والدينية بين الزوجين التي قد تكون من الأسباب والدوافع الرئيسة للعنف الأسري مع الأخذ في الاعتبار اختلاف تلك المعتقدات من مجتمع إلى آخر فضلا عن اختلال النسق القيمي للأسرة المسوؤل عن احداث التوازن والاستقرار في البيئة الأسرية والاجتماعية؛ أي ان الأسرة التي تتمتع بالاتزان النسقي لديها القدرة على العمل كنسق او نظام ذاتي يحاول استعادة البيئة المستقرة كلما اختل نظامها ،لذا إن الذين هم في وضع نفسي هش معرضون “أكثر من غيرهم للإصابة بهذه المشاكل النفسية”.
من هنا نجد إن فيروس كورونا ازاح اللثام عن المستور فقد اتضحت كثير من القيم الذكورية المبنية على الازدواجية في الاخلاق والتعامل وبالخصوص في فترات المحن والازمات .
لذا يتطلب على المجتمع تحمل مسؤولية ذلك من مؤسسات إعلامية ودينية وأمنية وكذلك الاسرة نفسها , حيث لايوجد حلول سحرية لتجاوز الوقوع في مشاكل نفسية أو التصادم مع المحيط العائلي،. فالأمر مرتبط باجتهاد الافراد في إيجاد أنشطة يمكن أن تشغل جزءا مهما من الوقت “الطويل” خلال العزل الصحي، حيث من المفروض أن تكون لهم “رؤية استباقية” لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال الاستمرار في الحجر الصحي دون استراتيجية وقائية من الوقوع في مخاطر نفسية واجتماعية. وثقافية.
فعلى المؤسسات الإعلامية أولا توعية المجتمع بما يحمل من قيم إنسانية , واجتماعية وبث روح التسامح والتأكيد على العلاقات الأسرية الحميمة ولا ننسى كذلك الدور الكبير والمهم للمؤسسة الدينية في النصح والإرشاد للمجتمع، أما دور المؤسسة الأمنية فهو يتمثل بمؤسساتها الفرعية التي تقوم بحملة واسعة في بغداد والمحافظات لمتابعة وضع الاسرة العراقية وما تتعرض له من انتهكات صارخة.